بسمة عبد العزيز: السلطة تدجن العقول
خالد حماد
بسمة عبد العزيز من الكوادر الشابة في كتابة الرواية والقصة القصيرة لمع اسمها منشغلة بالعمل الأكاديمي والبحثي وناشطة سياسية، وهذا لم يمنعها من تحقيق بعض ما تطمح إليه من تواجد على خريطة الساحة الثقافية والسياسية في مصر. لم تخرج كتابات بسمة عبد العزيز بعيدا عن الإطار الذي رسمته دون قصد لنفسها وجاءت كتابتها شديدة الصلة والعلاقة بما تعيشة فكتبت “عشان ربنا يسهل” ثم جاءت روايتها الأولى “الطابور” لتبلور مشروعها نحو الكتابة عن المهمشين، والثانية “الولد الذي نط واختفى” لتصبح واحدة من طابور الأطباء الذين يقفون في طابور القصة القصيرة. وفي هذا الحوار تجيبنا عن أسئلة المخاوف والهواجس والانطباعات التي تسبق الكتابة الأولى.
الدكتورة بسمة عبد العزيز تقول إن الكتابة الأولى تعني الاستكشاف، وإطلاق “كل ما أملك من طاقة وقدرة ومهارة وكذلك كل ما أحوز من خيال، من أجل الوصول إلى الأفضل سواء من الناحية الإبداعية أو الفنية أوالفكرية”.
يحرضها كل ما هو غير مطروق سواء لمحاذير خاصة تحيط به أو لصعوبات إجرائية في الحديث والكتابة عنه كقلة المعلومات المتوافرة مثلاً، ويحرضها كذلك كل ما يحمل صبغة إنسانية عميقة قد لا تكون ظاهرة على السطح، وفي حاجة إلى من ينقب عنها. أما إذا تركنا الفكرة والموضوع، وتحدثنا عن الأدوات فالبصيرة واللغة والأسلوب، والقدرة على النفاذ من خلالها إلى المضمون بيسر وسلاسة، دون تعقيد أو تصنع أو مبالغة، ودون إسهاب وترهل، “فكم من كتّاب موهوبين تتلاشى مواهبهم بسبب العجز عن استخدام اللغة، وضعف الأسلوب، وفي المقابل نجد من هم محدودو الموهبة، لكن الأسلوب الرشيق واللغة الجيدة تصنع منهم نجوماً”.
هواجس المناطق المحرمة
ربما يخوض الكاتب في مناطق معينة يعتبرها البعض محرمة ، فتصيبه بعض الهواجس ، لذلك جاءت رسالة الماجستير الخاصة بها بعنوان “الآثار النفسية للتعذيب تخصيصا كرب ما بعد الصدمة” ، ولكل عمل هواجسه ومخاوفه التي تتباين من عمل إلى آخر، “فرسالة الماجيستير كان يحيط بها هاجس الملاحقة الأمنية، وهو ما حدث بالفعل، وتسللت كاميرات مباحث أمن الدولة إلى القاعة محل المناقشة، وتم تصويرها كاملة، وكادت أن تحدث مشكلة كبيرة بسبب هذا الأمر إلى أن تدخلت الدكتورة عايدة سيف الدولة المشرفة على الرسالة ومر اليوم بسلام، لكن إذا تحدثت مثلا عن كتاب “ما وراء التعذيب” فقد كانت هواجسي متمثلة في مدى ملائمة هذا البحث العلمي للقارئ العادي، الذي ربما يجد بعض المصطلاحات الغريبة عنه، وبالتالي قد يشق عليه قراءته ولا تتحقق من الكتاب فائدة”.
رواية تنبأت بالثورة
أما الكتاب البحثي الأخير “إغراء السلطة المطلقة” فقد خرج من المطبعة في اليوم الثالث للثورة، حاملا في صفحته الأخيرة ما يشبه النبوءة عن قرب انتفاض الناس، وقد قدرت والناشر أنهما سوف يذهبان سوياً إلى السجن إذا لم يسقط نظام مبارك، “وظللنا نفكر هل نغامر بطرحه ونحن الاثنان مقيمان في الميدان، أم ننتظر حتى تستقر الأمور. إذا جئت للكتابة الأدبية، فإن الهواجس أقل ما تكون، إذ أنها لا تتعامل مع الأمر سوى بروح الفنانة، ولا تستسلم إلا للهواجس المتعلقة بعملية الإبداع ذاتها، وبإخراج النص الأدبي في الصورة التي “أشعر تجاهها بالراحة التامة والفرح، لم تكن لدي هواجس تقريباً سوى الرغبة في الكتابة الأدبية نفسها وإخراج كل ما لدي من أفكار في المجموعتين القصصيتين”.
ففازت أولاهما بجائزة ساويرس للأدب المصري، وفازت الثانية بجائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعن الرواية تحديداً، لم تكن لديها مخاوف محددة وإن كان الفضول تجاهها قد ظهر خلال الكتابة وبعدها، كونها أول تجربة سردية طويلة تخوضها، وانتهت منها في غضون شهرين ونصف الشهر فقط، وهو عمر قصير في مجال كتابة الرواية.
وتضيف عبد العزيز: “ربما لا يدرك الكثيرون أن هناك فرقا كبيرا بين العمل الإبداعي والبحثي ، فالإبداع خيال منطلق لا يتقيد بأي معطيات، ولا يقف أمام حدود، وكلما حلق بعيداً أكسبني سعادة وجزلا وشعورا بالحرية، أما العمل البحثي فهو رهن الوثائق والمعلومات والحسابات والاستنتاجات، لا مجال متسع فيه للخيال، لكنه بقدر ما يبدو جافاً، فالمتعة التي يعطيها اكتشاف معلومة جديدة أو الوصول إلى استنتاج لم يسبق إليه أحد، هي متعة كبيرة لا شك. “وأظن أنني مازلت في مرحلة البحث والتجريب، لكني بشكل عام أهتم كثيراً بأفكار تدور حول السلطة وقدرتها على تدجين الناس وتنميطهم، بحيث يتحولون إلى نسخ متشابهة، ليس بالطرق المعتادة التي ترتبط بالعنف، لكن بالتسلل الهادئ المريح إلى العقول، وتزييف الوعي، بحيث يصبحون هم أنفسهم مدافعين عن تلك السلطة، وعن وجودها في حياتهم. لا أعني طيلة الوقت السلطة الرسمية، التقليدية الممثلة في أنظمة الحكم، وإنما كل سلطة ترفع شخصاً فوق آخر، وكل سلطة تقهر آخر وتنحو إلى سلبه حريته وفرديته”.
مزج الكتابة بالفن التشكيلي
وعن مدى وجود رابط مشترك بين الألوان الأدبية من قصة ورواية ، وبين الفن التشكيلي الذي تقدمه ، تقول الدكتورة بسمة إنها تتنقل بين الفن التشكيلي سواء كان الرسم أو النحت من ناحية أوالكتابة الأدبية أوالبحثية من ناحية أخرى، وتضيف:”لا أتمكن من ترك مجال لصالح الآخرين خاصة حينما يحوز ما أقدمه على استقبال جيد سواء من القارئ أو زائر المعرض، أو من النقاد.
وهناك بالفعل من الأفكار التي أرغب في التعاطي معها ما أفضل كتابته كمقال أو كعمل أدبي، وهناك ما لا أراه سوى في هيئة منحوتة خشبية أو مجموعة من اللوحات التشكيلية. يحدث الاختيار بالنسبة إليّ تلقائيا بمعنى أنني لا أمسك بتلابيب الفكرة ثم أتناقش مع نفسي حول كيفية تقديمها، لكنها هي تطرح نفسها في الشكل المناسب أدبيا كان أو تشكيليا أو بحثياً”.
لمشاهدة الموضوع الأصلي إضغط هنا
عبد العزيز: مازلت أجرب الحكاية
بسمة عبد العزيز من الكوادر الشابة في كتابة الرواية والقصة القصيرة لمع اسمها منشغلة بالعمل الأكاديمي والبحثي وناشطة سياسية، وهذا لم يمنعها من تحقيق بعض ما تطمح إليه من تواجد على خريطة الساحة الثقافية والسياسية في مصر. لم تخرج كتابات بسمة عبد العزيز بعيدا عن الإطار الذي رسمته دون قصد لنفسها وجاءت كتابتها شديدة الصلة والعلاقة بما تعيشة فكتبت “عشان ربنا يسهل” ثم جاءت روايتها الأولى “الطابور” لتبلور مشروعها نحو الكتابة عن المهمشين، والثانية “الولد الذي نط واختفى” لتصبح واحدة من طابور الأطباء الذين يقفون في طابور القصة القصيرة. وفي هذا الحوار تجيبنا عن أسئلة المخاوف والهواجس والانطباعات التي تسبق الكتابة الأولى.
الدكتورة بسمة عبد العزيز تقول إن الكتابة الأولى تعني الاستكشاف، وإطلاق “كل ما أملك من طاقة وقدرة ومهارة وكذلك كل ما أحوز من خيال، من أجل الوصول إلى الأفضل سواء من الناحية الإبداعية أو الفنية أوالفكرية”.
يحرضها كل ما هو غير مطروق سواء لمحاذير خاصة تحيط به أو لصعوبات إجرائية في الحديث والكتابة عنه كقلة المعلومات المتوافرة مثلاً، ويحرضها كذلك كل ما يحمل صبغة إنسانية عميقة قد لا تكون ظاهرة على السطح، وفي حاجة إلى من ينقب عنها. أما إذا تركنا الفكرة والموضوع، وتحدثنا عن الأدوات فالبصيرة واللغة والأسلوب، والقدرة على النفاذ من خلالها إلى المضمون بيسر وسلاسة، دون تعقيد أو تصنع أو مبالغة، ودون إسهاب وترهل، “فكم من كتّاب موهوبين تتلاشى مواهبهم بسبب العجز عن استخدام اللغة، وضعف الأسلوب، وفي المقابل نجد من هم محدودو الموهبة، لكن الأسلوب الرشيق واللغة الجيدة تصنع منهم نجوماً”.
هواجس المناطق المحرمة
ربما يخوض الكاتب في مناطق معينة يعتبرها البعض محرمة ، فتصيبه بعض الهواجس ، لذلك جاءت رسالة الماجستير الخاصة بها بعنوان “الآثار النفسية للتعذيب تخصيصا كرب ما بعد الصدمة” ، ولكل عمل هواجسه ومخاوفه التي تتباين من عمل إلى آخر، “فرسالة الماجيستير كان يحيط بها هاجس الملاحقة الأمنية، وهو ما حدث بالفعل، وتسللت كاميرات مباحث أمن الدولة إلى القاعة محل المناقشة، وتم تصويرها كاملة، وكادت أن تحدث مشكلة كبيرة بسبب هذا الأمر إلى أن تدخلت الدكتورة عايدة سيف الدولة المشرفة على الرسالة ومر اليوم بسلام، لكن إذا تحدثت مثلا عن كتاب “ما وراء التعذيب” فقد كانت هواجسي متمثلة في مدى ملائمة هذا البحث العلمي للقارئ العادي، الذي ربما يجد بعض المصطلاحات الغريبة عنه، وبالتالي قد يشق عليه قراءته ولا تتحقق من الكتاب فائدة”.
رواية تنبأت بالثورة
أما الكتاب البحثي الأخير “إغراء السلطة المطلقة” فقد خرج من المطبعة في اليوم الثالث للثورة، حاملا في صفحته الأخيرة ما يشبه النبوءة عن قرب انتفاض الناس، وقد قدرت والناشر أنهما سوف يذهبان سوياً إلى السجن إذا لم يسقط نظام مبارك، “وظللنا نفكر هل نغامر بطرحه ونحن الاثنان مقيمان في الميدان، أم ننتظر حتى تستقر الأمور. إذا جئت للكتابة الأدبية، فإن الهواجس أقل ما تكون، إذ أنها لا تتعامل مع الأمر سوى بروح الفنانة، ولا تستسلم إلا للهواجس المتعلقة بعملية الإبداع ذاتها، وبإخراج النص الأدبي في الصورة التي “أشعر تجاهها بالراحة التامة والفرح، لم تكن لدي هواجس تقريباً سوى الرغبة في الكتابة الأدبية نفسها وإخراج كل ما لدي من أفكار في المجموعتين القصصيتين”.
ففازت أولاهما بجائزة ساويرس للأدب المصري، وفازت الثانية بجائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعن الرواية تحديداً، لم تكن لديها مخاوف محددة وإن كان الفضول تجاهها قد ظهر خلال الكتابة وبعدها، كونها أول تجربة سردية طويلة تخوضها، وانتهت منها في غضون شهرين ونصف الشهر فقط، وهو عمر قصير في مجال كتابة الرواية.
وتضيف عبد العزيز: “ربما لا يدرك الكثيرون أن هناك فرقا كبيرا بين العمل الإبداعي والبحثي ، فالإبداع خيال منطلق لا يتقيد بأي معطيات، ولا يقف أمام حدود، وكلما حلق بعيداً أكسبني سعادة وجزلا وشعورا بالحرية، أما العمل البحثي فهو رهن الوثائق والمعلومات والحسابات والاستنتاجات، لا مجال متسع فيه للخيال، لكنه بقدر ما يبدو جافاً، فالمتعة التي يعطيها اكتشاف معلومة جديدة أو الوصول إلى استنتاج لم يسبق إليه أحد، هي متعة كبيرة لا شك. “وأظن أنني مازلت في مرحلة البحث والتجريب، لكني بشكل عام أهتم كثيراً بأفكار تدور حول السلطة وقدرتها على تدجين الناس وتنميطهم، بحيث يتحولون إلى نسخ متشابهة، ليس بالطرق المعتادة التي ترتبط بالعنف، لكن بالتسلل الهادئ المريح إلى العقول، وتزييف الوعي، بحيث يصبحون هم أنفسهم مدافعين عن تلك السلطة، وعن وجودها في حياتهم. لا أعني طيلة الوقت السلطة الرسمية، التقليدية الممثلة في أنظمة الحكم، وإنما كل سلطة ترفع شخصاً فوق آخر، وكل سلطة تقهر آخر وتنحو إلى سلبه حريته وفرديته”.
مزج الكتابة بالفن التشكيلي
وعن مدى وجود رابط مشترك بين الألوان الأدبية من قصة ورواية ، وبين الفن التشكيلي الذي تقدمه ، تقول الدكتورة بسمة إنها تتنقل بين الفن التشكيلي سواء كان الرسم أو النحت من ناحية أوالكتابة الأدبية أوالبحثية من ناحية أخرى، وتضيف:”لا أتمكن من ترك مجال لصالح الآخرين خاصة حينما يحوز ما أقدمه على استقبال جيد سواء من القارئ أو زائر المعرض، أو من النقاد.
وهناك بالفعل من الأفكار التي أرغب في التعاطي معها ما أفضل كتابته كمقال أو كعمل أدبي، وهناك ما لا أراه سوى في هيئة منحوتة خشبية أو مجموعة من اللوحات التشكيلية. يحدث الاختيار بالنسبة إليّ تلقائيا بمعنى أنني لا أمسك بتلابيب الفكرة ثم أتناقش مع نفسي حول كيفية تقديمها، لكنها هي تطرح نفسها في الشكل المناسب أدبيا كان أو تشكيليا أو بحثياً”.
المصدر: موقع ومنتديات المفتاح
hg];j,vm fslm uf] hgu.d. ,hgv,hzdm ,hgrhwm ,hgja;dgdm
لمشاهدة الموضوع الأصلي إضغط هنا