Quantcast
Channel: RSS الحوت السوري - منتدى المفتاح
Viewing all articles
Browse latest Browse all 4451

البناء الفني للرومية الحمدانية بالفاظ الحزن والأسى - الحنين والغربة - الصبر والثبات

$
0
0
أبو فراس الحمداني





البناء الفني للرومية الحمدانية
الألفاظ الدالة على الحزن والأسى:


روميات أبي فراس الحمداني تعج بالألفاظ الدالة على الحزن والأسى بل تكاد تكون كلها حزًنا وألما لما انطوت عليه من أحداث مريرة أّثرت عليه ويشكل كبير خاصة من الناحية النفسية، فبات الأسى يكتنفه ولم يجد من سلوى إلا شذوه الحزين الذي صور فيه تجربته الحية، وألفاظ الحزن هذه التي امتلأت بها قصائده أضفيت عليها جمالا وزادتها روعة ورونقا وكان به يوظف الجانب الاستاطيقي على مأساته، فكّلما عبرت اللفظة عن الأنين وأحدثت التأثير اللازم حققت الهدف الجمالي وخدمت النص من الناحية الجمالية أكثر.
وأبو فراس من بين الشعراء الذين يتخيرون لغتهم ويحسنون انتقاء ألفاظهم وتوظيفها في محّلها فنجد اللفظة تعبر أحسن تعبير عن المأساة التي حّلت به، فأضحى يعيش حياة مزرية قاهرة بعدما كان أميرا يعيش في بلاط الملك ويتمتع بخيرات الملك لذلك عدت «رومياته من غرر شعره».
ويقول أبو فراس الحمداني:
جراح تحاماها الأساة مخوفة ..|.. وسقمان بادٍ منهما ودخيلُ
وأسر أقاسيه وليل نجومه ..|.. أرى كل شيء غيرهن يزولُ
تطول بي الساعات وهي قصيرة ..|.. وفي كلّ دهر لا يسرك طولُ

كثيرة هي ألفاظ الحزن التي جادت بها قريحة الشاعر، فأبى إلا أن يسمعنا إياها لنشاركه لوعة الأسى وتقاسمه الهموم مثلما قاسمته جارته الحمامة فلفظة «العليل والأسير والقتيل، والليل، والطويل، الهموم، روحاً، ضعيفة، يعذب، الدمع، الشكوى» تحمل الكثير من الشكوى والألم وُتصور واقعه أحسن تصوير، وإن كان الشاعر قد اختار البسيط والسهل منها فلأنه يريد أن يجعل الن ? ص قريبا إلى الأذهان وهذا ما جعلها تصطبع بصبغة جمالية تميل النفوس إليها وتطرب الأذن إليها لمجرد الاستماع.

الألفاظ الدالة على الحنين والغربة:



أبو فراس الحمداني
نصب تذكاري
الحديقة العامة بحلب


يكاد يكون الحنين هو المحور الرئيسي لروميات أبي فراس الحمداني، إذ من الطبيعي جدا أن يحن إلى بلده وأهله وقد فارقهما وابتعد كل البعد عنهما وهو الأمير الذي لم يفارق يوما أمه.
لاشك أن الخطب عظيم على الشاعر وان قلبه يعتصر قيحاً وغيضاً وما قاله في الأسر يدل على ما يقول في قصيدته البائية:
إن في الأسر لصبا ..|.. دمعه في الخد صبُّ
هو في الروم مقيم ..|.. وله في الشام قلبُ
مستجدّ لم يصادف ..|.. عوضاً عمن يحبُّ

ويرسل إلى أمه قائلا:
مصاني جليل والعزاء جميل ..|.. وظني بأ ن الله سوف يُزيلُ
تناساني الأصحاب إلا عصيبة ..|.. ستلحقُ بالأخرى غدا وتحولُ
وإن وراء الستر أما بكاؤها ..|.. عليَّ وإن طال الزمان طويل

هكذا نجد ألفاظه صريحة للدلالة عن إحساسه العميق وشعوره الوجداني حيث تؤدي الكلمة الدور المنوط بها لا من حيث الوضوح والإشراق فحسب بل من حيث المقصد والبعد الجمالي كذلك.
والواقع أن تشكيل اللفظ الجمالي في قصائد أبي فراس الحنينية هو الذي جعلها تبلغ الذروة وتحقق القصد لأن طبيعة الألفاظ التعبير الجمالي والسمو الروحي فلفظة «عصيّ» مثلا تحمل معنى الحنين الوجداني، وتشير إلى عزة نفس الشاعر وكبريائه وثباته، ولكنها في ذات الوقت ترمز رمزا جماليا محضا لأن الشاعر أجاد اختيار الكلمة، بل وأسقطها مسقطها الصحيح، فأعطت المعنى بعدا جماليا.

الألفاظ الدالة على الصبر والثبات:


لقد تنوعت بواعث الصبر عند أبي فراس الحمداني وزادت هذه البواعث عندما وجد نفسه مقيدا بأغلال الأسر بعد ما كان حرا طليًقا، فارسا شجاعا تناديه الفوارس عندما يحمى وطيس المعركة فيهب إليها ولا يهدأ له بال إلا لما ترتوي البيض ويشبع الذئب. وصفة الفروسية هذه التي تأصلت في نفس الأمير جعلته يثبت امام المحن ويدفع الخطوب ويؤمن بقضاء الله وقدره.
لقد كان أبو فراس الحمداني صابرا متجلدا أمام نوائب الدهر وفي جميع الظروف، على الرغم من أن الصعاب لم تفارقه لحظة من لحظات عمره ويتضح ذلك فيما قاله وهو رهين الأسر.
صبرت على الأهواء صبر ابن حرة ..|.. كثير العدا فيها قليل المساعد
ثم يضيف في موضع مخاطباً أمه:
فيا أمتا لا تعدمي الصبر إنه ..|.. إلى الخير والنجح القريب رسول
ويا امتا لا تحبطي الأجر أنه ..|.. على قدر الصبر الجميل جزيل

إن توظيف الشاعر لهذه القيم الأخلاقية «الصبر، الأجر، الخبر، النجح، الزمان، الموت، الجميل..» أعطى الروميات ذوًقا جماليا جعلها تنحاز عن بقية الأشعار، فالصبر مثلاً قيمة أخلاقية جمالية، وهي خصلة تسري في عروق العربي، اكتسبها من البيئة التي عاش فيها ومن أمه المثل الأعلى ولا ننسى أن الأمير ذاق اليتم وهو صبي، وتجرع مرارته أكثر عندما شب فلم يجد السند فاكتفى بصورة أمه المثالية التي بذلت لأجله كل شيء وبحب سيف الدولة له، فقد اعتنى به وأكثرت له أشد الاكتراث مما رسخ هذه الصفة فيه فأضحت مطبوعة في تصرفاته، ورأينا كيف يحث أمه بعد أن كانت توصيه هي.
ولا شك أن الصبر يوحي بدلالات أخرى اكثر عمًقا فالشجاعة وعزة النفس والأباء والنخوة العربية والرزانة والكرم... كّلها فروعع تنبعث من الأصل ذاته.

الألفاظ الدالة على الحب والهوى:


لقد وظف الشاعر ألفاظاً صريحة للدلالة عن مكنونه وخبايا وجدانه ولا غرو في ذلك فقد كان الوجد والصبابة حميميه في الأسر بعد أن فارق الأهل والخلان فبات محروم النوم باكي العين، منفطر القلب، آملا اللقاء راجيا الفرج القريب وكلما عبرت الألفاظ عن عمق المعاني وبعد الدلالات كانت اجمل وأروع.
والشاعر يدرك تماما ما تعنيه ألفاظه وما توحي إليه في إثارة الاهتمام وجلب النظر وجعل المتلقي يتذوق جماليات هذه الألفاظ وما تدل عليه.
ونستشف ذلك من خلال هذه الأبيات يقول:
أبيت كأني للصبابة صاحب ..|.. وللنوم مذ بان الخليط مُجانبُ

ويخاطب حبيبته فيقول:
وما كان للأحزان لولاك مسك ..|.. إلى القلبِ لكن الهوى للبلى جسرُ

وكثيرة هي الأبيات التي اشتملت على ألفاظ الحب والهوى والمجال لا يتسع لذكرها كّلها، ولكن ما جاء في هذه النماذج او الشواهد كاف لأن نحكم على جمالية اللفظ عند أبي فراس فقوله:( الصبابة، والنوم، مجانب، تذكر، الليل، الهوى، مكنون، الحب، حزن، العاشقين، القلب، النار، أبك...) يرمز إلى حياته الداخلية وكيف كان يعيشها شاعرنا، ويصارع لحظات الحب فيها، إن رمزية هذا الحب لا يستطيع تفكيكها إلا المتأمل المتمعن في قصائده لأنها دلالات توحي بحبه العظيم وولعه الشديد وشدة شوقه، وغن كان أبو فراس يذرف الدمع ليلا فلأنه حاجة نفسية تشفي بعض ما في قلبه، كما تصور حركة الداخل واضطراب الباطن.
هذا التصوير الجميل أعطى التعبير رونًقا وجمالاً رغم صدق الشاعر وتناقض القيم، اذ اتسم أبو فراس بالصبر، والصبر يرافق الراحة وخلو العقل في حين الهوى والشوق يوقد العواطف ويحرك الفؤاد وهل يستطيع الصبر أن يرافق الحب؟؟

لقد استطاع أن يرافقه عند أبي فراس الحمداني وقوله «عصي الدمع شميتك الصبر» أكبر دليل على ذلك، وإن كان الضعف يستوليه ليلا، وهذا من جمال أسلوب أبي فراس حيث تستمتع بمعانيه المنسجمة تفننيته الجمالية المستعملة وكأنك تلذذ قطعة حلوى سائغة او تشاهد زخرفة لا مثيل لها.


ضريح أبو فراس



كلمة أخيرة


أبو فراس الحمداني الشاعر والفارس الذي لا يهاب الموت عاني الكثير من سيف الدولة الذي خاف من فروسيته وشعبيته فأحبّ أن يبقيه في أسر الروم. أما نحن القراء فأمتعنا ما كتبه الشاعر من كتابةٍ صادقة في الحب والفخر والرثاء والشكوى والتي تؤكد على قوة عاطفة أبي فراس، والتي نتجت عن معاناته وتجربته في أسره، الأمر الذي كان لها الأثر الكبير في تميز شعر الروميات، ما أكسبها البقاء والخلود ضمن أعلى مراتب الشعر العربي على مرِّ العصور.
يقول:
لم أعدُ فيـه مفاخـري ..|.. ومديح آبائـي النُّجُـبْ
لا في المديح ولا الهجاءِ ..|.. ولا المجونِ ولا اللعبْ



المراجع:


1. ديوان أبي فراس الحمداني رواية أبي عبد الله بن الحسين بن خالوية، دار الطباعة والنشر، بيروت 1979.
2. ديوان أبي فراس، شرح الدكتور يوسف شكري فرحات دار الجيل بيروت، 1993، الطبعة الأولى.
3. أسلوب أبو فراس في رومياته: فضل أحمد محمد صالح القطيبي- رسالة ماجستير-جامعة عدن-2007.
4. روميات أبي فراس الحمداني.. دراسة جمالية: فضيلة بن عيسى- رسالة ماجستير- جامعة أبي بكر بلقايد - تلمسان – الجزائر-2004.
5. أبو فراس الحمداني وراكان بن حثلين: فروسية وشعر وأسْر: عبدالله الجعيثن- صحيفة الرياض، العدد 13776تاريخ 13 آذار 2006، والعدد 13784 تاريخ 21 آذار 2006.
6. روميات أبو فراس وحبسيات مسعود سعد سلمان.. دراسة مقارنة: محمد هادي مرادي وصبحت الله حسنوند، مجلة التراث العربي، السنة الأولى- العدد الثاني.
علاء أوسي
اكتشف سورية




hgfkhx hgtkd ggv,ldm hgpl]hkdm fhgth/ hgp.k ,hgHsn - hgpkdk ,hgyvfm hgwfv ,hgefhj


لمشاهدة الموضوع الأصلي إضغط هنا

Viewing all articles
Browse latest Browse all 4451

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>