Quantcast
Channel: RSS الحوت السوري - منتدى المفتاح
Viewing all articles
Browse latest Browse all 4451

الشاعرعدنان الصائغ - قصيدة الومضة ذات النَفَس البرقي

$
0
0


نصوص الصائغ منفتحة على أنماط شعرية عديدة
عدنان الصائغ وقصيدة الومضة ذات النَفَس البرقي


العرب أونلاين - عدنان حسين أحمد

قصائد عدنان الصائغ ذات لغة ناصعة مشذّبة يمكن للقارئ أن يتذوّق حلاوتها المتأتية ليس من دقة الانتقاء فحسب، وإنما من تكوين جملته الشعرية ضمن هندسة بنائية عميقة ومغايرة جعلته ينأى بنفسه قليلاً عن المشهد الشعري الثمانيني، أو جيل الثمانينات من القرن الماضي كما صنّفه النقاد العراقيون.

إنّ منْ يدقق في نص عدنان الصائغ الشعري سيكتشف فيه مُخصّبات إبداعية أجنبية تثري قصيدته وتمنحها نكهة مغايرة تختلف بعض الشيء عن الأنماط الشعرية التي كانت تغصّ بها الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية.

يا تُرى، ما هذه المخصّبات الأجنبية وعدنان الصائغ لم يتقن أية لغة حيّة غير العربية التي ظل وفياً لها حتى يومنا هذا؟ والجواب يكمن طبعاً في الأعمال الأدبية المترجمة إلى اللغة العربية من لغات شتى بما فيها اليابانية على ندرة الأعمال المُترجمة منها آنذاك.

لقد عرف الصائغ بمجساته الإبداعية المرهفة أن النص الشعري المهجّن يتوفر على نكهة مغايرة في الأقل، نكهة لا تمتلكها النصوص الشعرية السائدة آنذاك، لذلك أكثرَ من قراءة الأشعار الأجنبية المترجمة أولاً، والقصصية والروائية ثانياً التي تسربت إلى قصائده وبعض كتاباته النقدية، وربما كان الصائغ من الشعراء القلائل الذين أفصحوا عن تأثرهم بالشعر الياباني وخصوصاً الهايكو "Haiku" والتانكا "Tanka" حيث تتألف قصيدة الهايكو من ثلاثة أبيات، يشتمل البيت الأول على خمسة مقاطع، والثاني سبعة، والثالث خمسة ليكون المجموع سبعة عشر مقطعاً صوتياً، أما التانكا فتتألف من خمسة أبيات تشتمل على واحد وثلاثين مقطعاً صوتياً، أي بزيادة بيتين يتألف كل واحد منهما من سبعة مقاطع.

تعتمد قصيدة الهايكو على كلمات بسيطة للتعبير عن المشاعر العميقة والأحاسيس الجيّاشة حتى لتوحي هذه البساطة بالعفوية وكأن الشاعر لا يوغل في التأمل، ولا يستغرق في التفكير، ولهذا يقاربها بعض النقاد بكتابات الأطفال وشطحاتهم الشعرية التي تُسيّد العواطف والاحساسات الداخلية على العقل المنطقي. إنّ ما يهمنا في هذا المقال المكرّس لديوان "و…" للشاعر عدنان الصائغ الذي صدر عن دار "الكوكب" ببيروت هو عودة الصائغ بعد أكثر من ثلاثة عقود إلى كتابة قصيدة "الومضة" أو "القصيدة التنويرية" التي تشبه في مناخها العام قصيدتي الهايكو والتانكا اليابانيتين مع الاختلاف في بعض التفاصيل الدقيقة التي تحيل قصيدة "الومضة" إلى المناخ العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام. لقد برع الصائغ في كتابة قصيدة الومضة ذات النَفَس البرقي والنهاية التنويرية التي تعتمد على ضربة صادمة تكهرب المتلقي أو تلذعه في الأقل. يقول الصائغ في واحدة من قصائد ديوانه الأخير "و …" "أسقطوا / تمثال الدكتاتور / في ساحة المدينة / فامتلأت، ثانية، بتماثيلهم".

لابد من التفريق بين قصيدة الهايكو والتانكا اليابانيتين على الصعيد التقني، فعلى الرغم من تعدد أوجه التشابه بين النمطين من حيث البساطة والعفوية، إلاّ أن شاعر قصيدة التانكا يستعمل ثلاثة عناصر أساسية في نصه الشعري وهي التشبيه والاستعارة والتشخيص التي لا نجدها في قصيدة الهايكو بشكل مكرّس، لكنها قد تتسرّب بطريقة غير مقصودة هنا وهناك.

انتبه الصائغ ليس إلى العناصر البلاغية الثلاثة المُشار إليها تواً، وإنما أدرك أهمية المحسنات البديعية اللفظية "الجناس، الاقتباس والسجع" وعرف بخبرة الشاعر المجرّب ضرورة استعمال المحسنات المعنوية أيضاً مثل "التورية، الطباق، المقابلة" وما إلى ذلك فجمع بذلك مجمل العناصر التي تقوم عليهما قصيدتا الهايكو والتانكا من جهة وقصيدة الومضة العربية التي تقوم على الاختزال والتكثيف والضربة الفنية التي تستقر في ذاكرة السامع أو قارئ النص من جهة أخرى.

يقول الصائغ في قصيدة "حرية" "قبل أن يكملَ رسمَ القفص / فرَّ العصفورُ / من اللوحة". لا شك في أن الفعل "فرَّ" يثير الخيال السمعي للمتلقي ويستفزه ويجعله يتخيل ما يقوم به الرسّام من عمل إبداعي، وما يقوم به العصفور من فعل حركي للنجاة من القفص بوصفه معادلاً موضوعياً للسجن.

في واحدة من قصائده المبكرة يقول الصائغ: "كان طويلاً نهر ضفائرها / وأنا أسبح ضد التيار إلى الشفتين". إن قصيدة مكثفة من هذا النوع تحتاج من دون شك إلى براعة وخبرة مبدع ماهر يتقن فن اجتراح الصورة الشعرية التي تستقر في ذاكرة المتلقي، ولا تغادرها بسهولة لأنها تتوفر على عناصر حياتها ولا نتوقع أن ترى طريقها إلى الفناء. جرّب الصائغ كتابة القصيدة العمودية، وانتقل منها إلى قصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر أيضاً، كما كتب قصيدة طويلة جداً شكلت متن ديوانه التاسع "نشيد أوروك".

فحينما نتحدث عن قصيدة الومضة لا نعني أبداً أن الصائغ ذو نفس شعري قصير، لكن الذي يلفت النظر هو العودة إلى هذا النمط الشعري المكثف. فديوانه الأخير "و…" حافل بالقصائد المدينية التي تبدأ بالكوفة وربما لا تنتهي بلندن، فالصائغ ميّال للسفر والتنقل بين حواضر الدنيا كلما أتيح له ذلك ولا غرابة في أن تتداخل المدن وتتماهى مع بعضها بعضاً في نصوصه الشعرية.

لنتأمل الصائغ وهو يرى دجلة بدلاً من نهر التيمز حيث يقول: "أخذتني المدينةُ لندن / ما لي أمرّ على جسرها / فأرى نهر دجلة". يلاقح الصائغ بعض نصوصه بقصائد قديمة مثلما فعل في قصيدة "هي" التي يقول فيها: "ويحكُّ ميسمَها يراعي"، وهي من دون شك تذكِّرنا أو تحيلنا مباشرة إلى قصيد المنخَّل اليشكري التي يقول فيها "وأحبها وتحبني / ويحبُ ناقتَها بعيري"، كما بنى قصيدته الرابعة في "تشكيل 5" على مثلٍ ذائع ومعروف مفاده: "إذا كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بالحجارة"، لكن الصائغ اجترح منه صورة أخرى لا أظنها تذهب بعيداً عن المثل السابق حينما قال: "إذا كان رأسك من زجاج فلا ترمِي الناس بالحجارة".

وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن هذا الديوان ينطوي على موضوعات شعرية كثيرة استنطق من خلالها الأوضاع المأساوية التي يعاني منها الشعب العراقي منذ زمن الخلافة الراشدة وحتى الوقت الراهن ولعل من المناسب أن نختتم هذا المقال بالقصيدة التالية التي يقول فيها: "خلفاءٌ أربعةٌ تركوا التاريخ وراءهمُ مفتوح الفم / وبقينا، للآن، ننشِّف عنهم بقع الدم"!



hgahuvu]khk hgwhzy - rwd]m hg,lqm `hj hgkQtQs hgfvrd


لمشاهدة الموضوع الأصلي إضغط هنا

Viewing all articles
Browse latest Browse all 4451

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>